فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {ولو جعلناه} أي هذا الكتاب الذي تقرأه على الناس {قرآنًا أعجميًا} يعني بغير لغة العرب {لقالوا لولا فصلت آياته} يعني هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها {أأعجمي وعربي} يعني أكتاب أعجمي ورسول عربي وهذا استفهام إنكار والمعنى لو نزل الكتاب بلغة العجم لقالوا كيف يكون المنزل عليه عربيًا والمنزل أعجميًا، وقيل في معنى الآية: أنا لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا كيف أنزلنا الكلام العجمي إلى القوم العرب ولصح قولهم أن يقولوا قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه، وأنا لما أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب وهم يفهمونه فكيف يمكنهم أن يقولوا قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهوديًا أعجميًا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون إنما يعلمه يسار فضربه سيده وقال إنك تعلم محمدًا فقال هو والله يعلمني فأنزل الله تعالى هذه الآية {قل} يا محمد {هو} يعني القرآن {للذين آمنوا هدى} يعني من الضلالة {وشفاء} يعني لما في القلوب من مرض الشرك والشك وقيل شفاء من الأوجاع والأسقام {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى} يعني صموا عن استماع القرآن وعموا عنه فلا ينتفعون به {أولئك ينادون من مكان بعيد} يعني كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم كذلك هؤلاء في قلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} يعني فمصدق به ومكذب كما اختلف قومك في كتابك {ولولا كلمة سبقت من ربك} يعني في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن {لقضي بينهم} يعني لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم {وإنهم لفي شك منه مريب} يعني من كتابك وصدقك {من عمل صالحًا فلنفسه} يعني يعود نفع إيمانه وعمله لنفسه {ومن أساء فعليها} يعني ضرر إساءته أو كفره يعود على نفسه أيضًا {وما ربك بظلام للعبيد} يعني فيعذب غير المسيء.
قوله: {إليه يرد علم الساعة} يعني إذا سأل عنها سائل قيل له لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله تعالى ولا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك {وما تخرج من ثمرات من أكمامها} أي من أوعيتها، وقال ابن عباس: هو الكفرى قبل أن ينشق {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} أي يعلم قدر أيام الحمل وساعاته ومتى يكون الوضع وذكر الحمل هو أم أنثى ومعنى الآية كما يرد إليه علم الساعة فكذلك يرد إليه علم ما يحدث من كل شيء كالثمار والنتاج وغيره.
{وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل} أي يعبدون في الدنيا {وظنوا ما لهم من محيص} أي مهرب.
قوله تعالى: {لا يسأم الإنسان} أي لا يمل الكافر {من دعاء الخير} يعني لا يزال يسأل ربه الخير وهو المال والغنى والصحة {وإن مسه الشر} أي الشدة والفقر {فيؤوس} أي من روح الله تعالى: {قنوط} أي من رحمته {ولئن أذقناه رحمة منا} أي آتيناه خيرًا وعافية وغنى {من بعد ضراء مسته} أي من بعد شدة وبلاء أصابه {ليقولن هذا لي} أي أستحقه بعملي {وما أظن الساعة قائمة} أي ولست على يقين من البعث {ولئن رجعت إلى ربي} يقول هذا الكافر أي فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي {إن لي عنده للحسنى} أي الجنة والمعنى كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة {فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} قال ابن عباس لنوقفنهم على مساوي أعمالهم {ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} أي ذهب بنفسه وتكبر وتعظم {وإذا مسه الشر} أي الشدة والفقر {فذو دعاء عريض} أي كثير {قل} أي قل يا محمد لكفار مكة {أرأيتم إن كان من عند الله} أي هذا القرآن {ثم كفرتم به} أي جحدتموه {من أضل ممن هو في شقاق بعيد} أي في خلاف للحق بعيد عنه والمعنى فلا أحد أضل منكم {سنريهم آياتنا في الآفاق} قال ابن عباس يعني منازل الأمم الخالية {وفي أنفسهم} أي البلاء والأمراض وقيل ما نزل بهم يوم بدر وقيل في الآفاق هو ما يفتح من القرى والبلاد على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وفي أنفسهم هو فتح مكة {حتى يتبين لهم أنه الحق} يعني دين الإسلام، وقيل يتبين القرآن أنه من عند الله وقيل يتبين لهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مؤيد من قبل الله تعالى وقيل في الآفاق يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والأنهار والنبات وفي أنفسهم يعني من لطيف الحكمة وبديع الصنعة حتى يتبين لهم أنه الحق يعني لا يقدر على هذه الأشياء إلا الله تعالى: {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} يعني يشهد أن القرآن من عند الله تعالى، وقيل أولم يكفهم الدلائل الكثيرة التي أوضحها الله لهم على التوحيد وأنه شاهد لا يغيب عنه شيء.
{ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} أي في شك عظيم من القيامة {ألا إنه بكل شيء محيط} أي عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها، أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} أي يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الإنس {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ما بين أيديهم ما تقدم من أعمالهم، وما خلفهم ما هم عازمون عليه، أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة، والتكذيب بها {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي سبق عليهم القضاء بعذابهم {في أُمَمٍ} أي في جملة أمم، وقيل: في بمعنى مع.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن} روي أن قائل هذه المقالة أبو جهل بن هشام لعنه الله {والغوا فِيهِ} المعنى لا تسمعوا إليه، وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات وإنشاد الشعر، وشبه ذلك حتى لايسمعه أحد، وقيل: معناه قعوا فيه وعيبوه.
{أَرِنَا الذين أَضَلاَّنَا} يقولون هذا إذا دخلوا جهنم، فقولهم مستقبل ذكر بلفظ الماضي، ومعنى اللذين أضلانا: كل من أغوانا من الجن والإنس، وقيل: المراد ولد آدم الذي سن القتل وإبليس الذي أمر بالكفر والعصيان، وهذا باطل لأن ولد آدم مؤمن عاصي، وإنما طلب هؤلاء من أضلهم بالكفر {تَحْتَ أَقْدَامِنَا} أي في أسفل طبقة من النار {ثُمَّ استقاموا} قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، استقاموا على قولهم: ربنا الله، فصح إيمانهم ودام توحيدهم وقال عمر بن الخطاب: المعنى استقاموا على الطاعة وترك المعاصي، وقول عمر أكمل وأحوط، وقول أبي بكر أرجح لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال: «قد قالها قوم كفروا فمن مات عليها فهو ممن استقام»، وقال بعض الصوفية: معنى استقاموا أعرضوا عما سوى الله، وهذه حالة الكمال على أن اللفظ لا يقتضيه {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة} يعني عند الموت {وَلَكُمْ فِيهَا} الضمير للآخرة {مَا تَدَّعُونَ} أي ما تطلبون.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى الله} أي: لا أحد أحسن قولًا منه، ويدخل في ذلك كل من دعا إلى عبادة الله أو طاعته على العموم، وقيل: المراد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل المؤذنون وهذا بعيد؛ لأنها مكية، وإنما شرع الأذان بالمدينة ولكن المؤذنين يدخلون في العموم {وَمَا يُلَقَّاهَا} الضمير يعود على الخلق الجميل الذي يتضمنه قوله: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ} {ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي حظ من العقل والفضل وقيل: حظ عظيم في الجنة.
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ} إن شرطية دخلت عليها ما الزائدة، ونزغ الشيطان: وساوسه وأمره بالسوء {الذي خَلَقَهُنَّ} الضمير يعود على الليل والنهار والشمس والقمر، لأن جماعة ما لا يعقل كجماعة المؤنث، أو كالواحدة المؤنثة، وقيل: إنما يعود على الشمس والقمر، وجمعهما لأن الاثنين جمع هذا بعيد {فالذين عِندَ رَبِّكَ} الملائكة {لاَ يَسْأَمُونَ} أي لا يملون.
{الأرض خَاشِعَةً} عبارة عن قلة النبات {اهتزت} ذكر في [الحج: 5] {نَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى} تمثيل واحتجاج على صحة البعث.
{إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا} أي يطعنون عليها، وهذا الإلحاد هو بالتكذيب وقيل: باللغو فيه حسبما تقدم في السورة {أَفَمَن يلقى فِي النار} الآية: قيل إن المراد بالذي يلقى بالنار أبو جهل، وبالذي يأتي آمنًا عثمان بن عفان وقيل: عمار بن ياسر واللفظ أعم من ذلك {اعملوا مَا شِئْتُمْ} تهديد لا إباحة.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} الذكر هنا القرآن باتفاق، وخبر إن محذوف تقديره؛ {ضَلُّواْ} أو هلكوا، وقيل: خبرها: {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}، وذلك بعيد.
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أي كريم على الله، وقيل منيع من الشيطان {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل} أي ليس فيما تقدمه ما يبطله، ولا يأتي ما يبطله والمراد على الجملة أنه لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} في معناه قولان: أحدهما: ما يقول الله لك من الوحي والشرائع، إلا مثل ما قال للرسل من قبلك، والآخر: ما يقول لك الكفار من التكذيب والأذى إلا مثل ما قالت الأمم المتقدمون لرسلهم، فالمراد على هذا تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي، والمراد على القول الأوّل أنه عليه الصلاة والسلام أتى بما جاءت به الرسل فلا تنكر رسالته {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} يحتمل أن يكون مستأنفًا، أو يكون هو المقول في الآية المتقدمة، وذلك على القول الأوّل، وأما القول الثاني فهو مستأنف منطقع مما قبله.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} الأعجمي الذي لا يفصح، ولا يبين كلامه سواء كان من العرب أو من العجم، والعجمي الذي ليس من العرب فصيحًا كان أو غير فصيح، ونزلت الآية بسبب طعن قريش في القرآن، فالمعنى أنه كان أعجميًا لطعنوا فيه وقالوا: هلا كان مبينًا فظهر أنهم يطعنون فيه على أي وجه كان {ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} هذا من تمام كلامهم، والهمزة للإنكار، والمعنى: أنه لو كان القرآن أعجميًا لقالوا قرآن أعجمي، ورسول عربي، أو مرسل إليه عربي، وقيل: إنما طعنوا فيه لما فيه من الكلمات العجمية، كسجين وإستبرق، فقالوا أقرآن أعجمي وعربي، أي مختلط من كلام العرب والعجم، وهذا يجري على قراءة {أعجمي} بفتح العين {في آذَانِهِمْ وَقْرٌ} عبارة عن إعراضهم عن القرآن، فكأنهم صم لا يسمعون وكذلك {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} عبارة عن قلة فهمهم له {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فيه قولان: أحدهما عبارة عن قلة فهمهم فشبههم بمن ينادي من مكان بعيد فهو لايسمع الصوت ولا يفقه ما يقال، والثاني: أنه حقيقة في يوم القيامة أي ينادون من مكان بعيد ليسمعوا أهل الموقف توبيخهم، والأوّل أليق بالكنايات التي قبلها.
{كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} يعني القدر.
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي علم زمان وقوعها، فإذا سئل أحد عن ذلك قال: الله هو الذي يعلمها {مِّنْ أَكْمَامِهَا} جمع كم بكسر الكاف وهو غلاف الثمرة قبل ظهورها.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي} العامل في يوم محذوف والمراد به يوم القيامة، والضمير للمشركين وقوله: {أَيْنَ شُرَكَآئِي} توبيخ لهم، وأضاف الشركاء إلى نفسه على زعم المشركين، كأنه قال: الشركاء الذين جعلتم لي {قالوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} المعنى: أنهم قالوا: أعلمناك ما منا من يشهد اليوم بأن لك شريكًا، لأنهم كفروا يوم القيامة بشركائهم.
{وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} أي ضل عنهم شركاؤهم، بمعنى أنهم لا يرونهم حينئذ، فما على هذا موصولة، أو ضل عنهم قولهم الذي كانوا يقولون من الشرك، فما على هذا مصدرية {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} الظنّ هنا بمعنى اليقين، والمحيص المهرب: أي علموا أنهم لا مهرب لهم من العذاب؛ وقيل: يوقف على ظنوا، ويكون مالهم؛ استئنافًا، وذلك ضعيف.
{لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَاءِ الخير} أي لا يمل من الدعاء بالمال والعافية وشبه ذلك، ونزلت الآية في الوليد بن المغيرة، وقيل في غيره من الكفار واللفظ أعم من ذلك.
{لَيَقُولَنَّ هذا لِي} أي هذا حقي الواجب لي، وليس تفضلًا من الله ولا يقول هذا إلا كافر، ويدل على ذلك قوله: {وَمَا أظُنُّ الساعة قَآئِمَةً} وقوله: {وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} معناه إن بعثت تكون لي الجنة، وهذا تخرص وتكبر، وروي أن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} ذكر في [الإسراء: 83] أي كثير، وذكر الله هذه الأخلاق على وجه الذم لها.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} الآي معناها أخبروني إن كان القرآن من عند الله ثم كفرتم به ألستم في شقاق بعيد؟ فوضع قوله: {من أضل} موضع الخطاب لهم.
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} الضمير لقريش وفيها ثلاثة أقوال: أحدها أن الآيات في الآفاق هي فتح الأقطار للمسلمين، والآيات في أنفسهم هي فتح مكة فجمع ذلك وعدًا للمسلمين بالظهور، وتهديدًا للكفار، واحتجاجًا عليهم بظهور الحق وخمول الباطل، والثاني أن الآيات في الآفاق: هي ما أصاب الأمم المتقدمة من الهلاك وفي أنفسهم يوم بدر الثالث أن الآيات في الآفاق: هي خلق السماء وما فيها من العبر والآيات، وفي أنفسهم خلقة بني آدم وهذا ضعيف لأنه قال: {سَنُرِيهِمْ} بسين الاستقبال، وقد كانت السموات وخلقة بني آدم مرئية والأول هو الراجح {أَنَّهُ الحق} الضمير للقرآن أو للإسلام {مُّحِيطٌ} أي بعلمه وقدرته وسلطانه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} أي قدرنا لمشركي مكة، يقال: هذان ثوبان قيضان أي مثلان والمقايضة المعاوضة، وقيل: سلطنا عليهم {قُرَنَاءَ} أخدانًا من الشياطين جمع قرين كقوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من أمر العاقبة وأن لا بعث ولا حساب {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} كلمة العذاب {فِى أُمَمٍ} في جملة أمم ومحله النصب على الحال من الضمير في {عَلَيْهِمْ} أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ} قبل أهل مكة {مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} هو تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم وللأمم.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان} إذًّا قريء {والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وعارضوه بكلام غير مفهوم حتى تشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته {فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا} يجوز أن يريد بالذين كفروا هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة، ولكن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي أعظم عقوبة على أسوأ أعمالهم وهو الكفر.
{ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ الله} ذلك إشارة إلى الأسوأ ويجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذي كانوا يعملون حتى تستقيم هذه الإشارة {النار} عطف بيان للجزاء أو خبر مبتدأ محذوف {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} أي النار في نفسها دار الخلد كما تقول: لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعني الدار بعينها {جَزَاءً} أي جوزوا بذلك جزاء {بِمَا كَانُوا بآياتنا يَجْحَدُونَ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا} وبسكون الراء لثقل الكسرة كما قالوا في فخْذِ فَخْذ: مكي وشامي وأبو بكر.
وبالاختلاس: أبوعمرو {اللذين أضلانا} أي الشيطانين اللذين أضلانا {مِّنَ الجن والإنس} لأن الشيطان على ضربين جني وإنسي، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا شياطين الإنس والجن} {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} في النار جزاء إضلالهم إيانا.
{إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} أي نطقوا بالتوحيد {ثُمَّ استقاموا} ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضيانه، وعن الصديق رضي الله عنه: استقاموا فعلًا كما استقاموا قولًا: وعنه أنه تلاها ثم قال: ما تقولون فيها؟ قالوا: لم يذنبوا.